ثانياً:تقويم تعليم القرآن الكريم في وسائل الإعلام
إن وسائل الإعلام (إذاعة ـ تلفاز ـ إنترنت) تختلف في تعليمها عن (المسجد والمدرسة ) لأن الأولى تفقد المواجهة واللقاء بين الطرفين أما الثانية فيتوفر فيها ذلك فيستطيع المعلم أن ينبه الغافل ،ويذكر الناسي ويصوب المخطئ، ويستطيع المتعلم أن يسأل عما غاب وهو في نفسه -أي المتعلم - يضع اعتبارا وهيبة في نفسه لمن يتلقى عنه وهذا الأمر من أشد الدواعي التي تجعله مهتماً بما يلقى عليه ولا يصرفه صارف ذهني أو قلبي عن معلمه .
ولعل تخصيص اللجنة الموقرة ثلاث موضوعات عن:
1- تعليم القرآن في مراحل التعليم العام والجامعي.
2ـوتعليم القرآن في جمعيات تحفيظ القرآن .
3ـ وتعليمه في مدارس تحفيظ القرآن .
هو اختيار موفق ـ إن شاء الله ـ سائلين إياه أن يؤتى ثماره اليانعة .
ومن أجل هذا سيقتصر حديثنا عن وسائل الإعلام (إذاعة وتلفاز وإنترنت) وهي تحتاج إلى ما يعوِّض المتعلم عن فقدان المواجهة واللقاء لذلك فلابد :
1- أن يكون لدى المعلم عن طريقها أسلوب تشويقي.
2- أن يتوقع المعلم سؤال المستمع والمشاهد فيلقيه على طريقة السؤال والجواب.
3- عرض ما يحتاج إلى توضيح عن طريق الرسم مثل موضوع (مخارج الحروف) وهذا يتوفر في التلفاز والإنترنت .
4- عقد اتصال هاتفي أو(فاكس) مباشرة لإزالة الأخطاء التي قد تشكل على المستمع أو المشاهد .
5- ويجب على المعلم أن يكون صبوراً على معاناة التعليم ويقرب المعلومة إلى الذهن من أيسر طريق ، ويكون ذا أداء حسنٍ يُرغب ولا يرهب ولا سيما إذا بدأ برنامجه بمثل هذه الأحاديث .
الترغيب في حفظ القرآن ومذاكرته من السنة النبوية
ونجد في السنة النبوية ما يرغب في حفظ القرآن .
1ـ روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة ،وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). ( )
2- وروى الشيخان قال صلى الله عليه وسلم
الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ، وهو يتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) ( )
3-وروى الترمذي وقال حسن صحيح قال صلى الله عليه وسلم
من قرأ حرفاً من كتاب الله تعالى فله به حسنة ،والحسنة بعشر أمثالها ،لا أقول الم حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام حرف ، وميم حرف) ( )
4- وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن وهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار( ) ) الشيخان
5-وقال صلى الله عليه وسلم : ( يقال لقارئ القرآن :اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها) الترمذي وقال حسن صحيح( )
6-وقال صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)( ) البخاري .
أليس كل ذلك يحفز الهمم ويحرك العزائم إلى حفظ القرآن واستظهاره والمداومة على تلاوته مخافة الوقوع في وعيد نسيانه ...
الطريقة العملية للحفظ:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة تعليماً عملياً فيردد الصحابي أمام الرسول بطريق الترديد والتسميع بقصد التصحيح .
وفي ذلك ورد حديث الدعاء قبل النوم عن البراء بن عازب قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل
اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت ).
فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة، واجعلهم آخر ما تتكلم به قال : فرددتهن لأستذكرهن فقلت آمنت برسولك الذي أرسلت.
قال : قل آمنت بنبيك الذي أرسلت) ( )
وأما تعليم القرآن فقد أشار إليه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله في حديث تعلم الاستخارة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول لهم: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل (اللهم إني أستخيرك بعلمك…الخ( )
والشاهد قول جابر ( كما يعلمنا السورة من القرآن ) فدل على أن تعليم القرآن الكريم كان أمراً واقعاً بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تلقياً وتلقيناً ولقد كانت همة النبي صلى الله عليه وسلم عند نزول القرآن هي حفظه واستظهاره ثم يقرأه على الناس على مكث ليحفظوه ويستظهروه ?هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين? (الجمعة : 2)
ومن شأن الأمي أن يعول على حافظته فيما يهمه أمره، ويعينه استحضاره وجمعه خصوصاً إذا أوتي من قوة الحفظ والاستظهار ما ييسر له هذا الجمع والاستحضار. ثم جاء القرآن فبهرهم بقوة بيانه ، وأخذ عليهم مشاعرهم بسطوة سلطانه، فخلعوا عليه حياتهم حين علموا أنه روح الحياة.
وقد اعتنى الصحابة الكرام بكتابة القرآن التي هي وسيلة للحفظ وعدم الاختلاف فكتبوه ونقشوه بمقدار ما سمحت لهم وسائل الكتابة وأدواتها في عصرهم .
فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً للوحي إذا نزل شيء أمرهم بكتابته زيادة في التوثق والضبط حتى تظاهر الكتابة الحفظ ، ويعاضد النقش اللفظ .
ومن هذا المنطلق فعلى المعلم أن يرشد متعلميه عبر وسائل الإعلام إلى أهمية الكتابة عند الحفظ فذلك أدعى لثبات المحفوظ وترسيخه في الذاكرة وقد قال المعلم :
العلم صيد والكتابة قيـده
قيد صيودك بالحبال الواثقه
فمن الحماقة أن تصيد غزالة
وتتركها بين الخلائق طالقه
ويصور لنا السيوطي في كتابه الإتقان(1) في علوم القرآن في النوع الرابع والثلاثين في (كيفية تحمله) أي القرآن قال: اعلم أن حفظ القرآن فرض عين على الأمة والمعنى فيه ألا ينقطع عدد التواتر فيه فلا يتطرق إليه التبديل والتحريف، وتعليمه أيضاً فرض كفاية وهو أفضل القرب.
- وأوجه التحمل (في طرق تعلم ونقل الحديث) عند أهل الحديث: (السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه، والسماع عليه بقراءة غيره ،والمناولة، والإجازة والمكاتبة والعرضية، والإعلام والوجادة) فأما غير الوجهين الأولين فلا يأتي هنا .
وأما القراءة على الشيخ فهي المستعملة سلفاً وخلفاً .وأما السماع من لفظ الشيخ فيحتمل أن يقال به هنا لأن الصحابة رضى الله عنهم إنما أخذوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم قال : وأما الصحابة فكانت فصاحتهم وطباعهم السليمة تقتضي قدرتهم على الأداء كما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نزل بلغتهم ومما يدل للقراءة على الشيخ :عرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل في رمضان في كل عام ويحكى أن الشيخ شمس الدين بن الجزري لما قدم القاهرة وازحمت عليـه الخلائق لم يتسع وقته لقراءة الجميع ، فكان يقرأ عليهم الآية ثم يعيدونها عليه دفعة واحدة ، فلم يكتف بقراءته .
- وقد كان الشيخ علم الدين السخاوي يقرأ عليه اثنان وثلاثة في أماكن مختلفة ويرد على كل منهم ، أي يصحح خطأهم إذا أخطؤوا .(1)
وهذه الطريقة التربوية للتعليم بالعمل والممارسة .. تجعل الفرد أكثر استقامة وسعادة فيسير على الإتقان العملي الذي هو خير مقياس للتعلم سواء في ذلك الاستحفاظ أو أداء العبادات .
لذا .. كان من أهم نتائج هذا الأسلوب
(1) تعود الدقة وتوخي صحة النتائج ، فكل متعلم يمارس العمل أمام معلمه ، ثم يناظره المعلم ويصحح أخطاءه يغرس في نفس المتعلم عدم العود إلى الخطأ مع ثبات الصواب .
(2) شعور المتعلم بالمسؤولية عن صحة العمل .. وهذا يجعل منهجية التربية الإسلامية منهجية حركية فكرية عاطفية مبنية على الوعي والدقة وصحة الأداء فالدقة في العواطف والاتجاهات والأفكار تتجلى في إخلاص النية وتوجيه العمل نحو إرضاء الله جل جلاله بلا رياء ولا استكبار ولا استهتار. تواكبها الدقة في حركية العمل أو لفظية القول كما نقله لنا الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم من بعدهم إلى يومنا هذا .
وعلى المعلم توجيه الآباء وحثهم أبناءهم على الاهتمام بذلك عن طريق التشجيع وضرب الجوائز وغير ذلك. ومتابعة ما حفظوه وما كتبوه من خلال حلقات القرآن في وسائل الإعلام. وهذا هو الرباط على المتابعة وجني الثمرة.